دور القضاء في تطبيق العقوبات البديلة في النظام السعودي

 

 

تعد العقوبات البديلة من أحدث التوجهات في السياسة الجنائية المعاصرة، وقد تبنت المملكة العربية السعودية في إطار تطوير منظومتها القضائية وتحقيق أهداف رؤية 2030.

حيث يلعب القضاء السعودي دورًا أساسيا في تطبيق هذه العقوبات وفق شروط حددتها الأنظمه السعوديه، مما يستدعي تسليط الضوء على هذا الدور وأبعاده المختلفة.

في البداية، لابد من توضيح مفهوم العقوبات البديلة في النظام السعودي حيث إنه يستند إلى قواعد الشريعة الإسلامية التي تحث دائما على الإصلاح والتأهيل.

فقد جاء في الحديث الشريف: “ادرؤوا الحدود بالشبهات”، وهو ما يفتح المجال أمام القاضي للنظر في بدائل للعقوبات التقليدية عند توفر الظروف المناسبة.

يستمد القضاء السعودي صلاحياته في تطبيق العقوبات البديلة من عدة أنظمة وقرارات، أهمها نظام الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/2) وتاريخ 22/1/1435هـ،

والذي نص في مادته الثالثة على أنه: “لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص، إلا على أمر محظور ومعاقب عليه شرعًا أو نظامًا”.

ومن أبرز أدوار القضاء في تطبيق العقوبات البديلة:

  1. تقدير مدى مناسبة العقوبة البديلة: حيث يسعى القاضي بدراسة ملف القضية بجدية ، والنظر في ظروف الجاني وطبيعة الجريمةالتى وقعت وكذلك ملابساتها .
  2. فإذا رأى القاضى أن العقوبة البديلة ستحقق الغرض من العقوبة وتساهم في إصلاح الجاني، فله أن يحكم بها. وهذا يتطلب من القاضي بعض النهارات منها فهمًا عميقًا لأهداف العقوبة في الشريعة الإسلامية والنظام السعودي.
  3. تحديد نوع العقوبة البديلة: كما يتمتع القاضي بصلاحية اختيار العقوبة البديلة المناسبة من بين عدة خيارات، مثل العمل للنفع العام، أو الإلزام بدورات تأهيلية، أو الخدمة المجتمعية أو غيرها من البدائل . مع مراعاة تحقيق التوازن في اختياره بين مصلحة المجتمع وإصلاح الجاني
  4. متابعة تنفيذ العقوبة البديلة : لا يقتصر دور القاضي على إصدار الحكم فحسب، بل يمتد ليشمل متابعة تنفيذ العقوبة البديلة. فللقاضي أن يطلب تقارير دورية عن مدى التزام المحكوم عليه بتنفيذ العقوبة، وله أن يعدل في العقوبة إذا رأى ضرورة لذلك.
  5. التنسيق مع الجهات المعنية: يقوم القضاء بدور هام في التنسيق مع الجهات الحكومية والأهلية المعنية بتنفيذ العقوبات البديله، مثل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ووزارة العدل، والجمعيات الخيرية. وهذا التنسيق ضروري لضمان فعالينها.
  6. المساهمة في تطوير منظومة العقوبات البديلة: من خلال الممارسة العملية، يساهم القضاة في تقييم فعالية العقوبات البديله وتقديم المقترحات لتطويرها. وهذا يتطلب من القضاة الاطلاع المستمر على التجارب الدولية في هذا المجال، مع مراعاة خصوصية المجتمع السعودي.

شاهد ايضا:محامي في الرياض: دليلك الشامل لاختيار المحامي المناسب

ومع ذلك، فإن تطبيق العقوبات البديلة في النظام السعودي يواجه بعض التحديات، منها:

  • الحاجة إلى تدريب القضاة على آليات تطبيق العقوبة البديلة وتقييم مدى ملاءمتها.
  • ضرورة توفير البنية التحتية اللازمة لتنفيذ العقوبات البديله، مثل مراكز التأهيل والتدريب.
  • أهمية توعية المجتمع بأهمية العقوبة البديلة ودورها في تحقيق العدالة الإصلاحية.
  • الحاجة إلى تطوير آليات متابعة وتقييم فعالية العقوبات البديلة على المدى الطويل، لضمان تحقيق أهدافها في الإصلاح وإعادة التأهيل.
  • ضرورة موازنة تطبيق العقوبات البديلة مع متطلبات الأمن المجتمعي، خاصة في الجرائم التي تثير قلقًا عامًا.

في الختام، يمكن القول إن دور القضاء السعودي في تطبيق العقوبة البديلة يعد حجر الزاوية في نجاح هذا التوجه الإصلاحي.

فمن خلال الموازنة بين تحقيق العدالة وإصلاح الجاني، يساهم القضاء في تعزيز أمن المجتمع وتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ النفس والمال والعرض.

ومما يجدر ذكره أن تطبيق العقوبات البديلة يعكس مرونة النظام القضائي السعودي وقدرته على التكيف مع المستجدات الاجتماعية.

كما أنه يؤكد على أهمية الجانب التأهيلي في العقوبة، مما يساهم في تقليل نسب العود للجريمة وإعادة دمج المخطئين في المجتمع بشكل إيجابي. وهذا النهج يتماشى مع توجهات المملكة في تحقيق التنمية المستدامة ورفع جودة الحياة لجميع أفراد المجتمع.

ولعل من المناسب أن نختم بقول الله تعالى: “وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ” (سورة النحل، آية 126). فهذه الآية الكريمة تؤكد على أهمية العفو والإصلاح، وهو ما تسعى إليه العقوبات البديلة في جوهرها.

والله ولي التوفيق.

 

Scroll to Top